أثلجَ الليلُ، وعمّ السكون. المدينةُ التفّت بردائها الأبيض كعروسٍ في صمتِ الفجر. من نافذة صغيرة، بدت البيوت ككعك العيد، مغطّاة بسكرٍ ناعمٍ من الغيم والثلج.
في الصالة، إخوتي يتحلّقون حول شاشة صغيرة، يتابعون قناة سبيستون بعيون قلقة، ينتظرون شيئًا لا يعرفونه تمامًا. في الغرفة المجاورة، أمي تصرخ من وجع الولادة، وأبي، رغم البرد القارس، يتصبب عرقًا. كان الطبيب والزوج والمُنتظر — رجلٌ يعشق عمله حد الاتقان.
الرابع عشر من فبراير، الساعة الرابعة والنصف فجرًا. في زقاقٍ ضيقٍ من أزقّة أثينا، ضاجٍّ بالكتابات والجرافيتي، وفي بيتٍ متواضعٍ دافئٍ بالحياة، فتحت عيناي للمرة الأولى. أنفاسي الأولى حملتني من العدم إلى هذا العالم، على ألحان الشتاء وصخب الإخوة.
وحين ارتفع صوت بكائي، ركض إخوتي إلى الغرفة، مفعمين بالدهشة والفرح — أو هكذا تقول ذاكرتي. نحن عائلة كبيرة: أخونا الأكبر، ثم ست بنات، ثم أنا، الطفل الأخير، ضيف العائلة الجديد.
في الزاوية، كانت أختي "ص"، الأقرب لي عمرًا، تحدّق فيّ بصمت غامض. لم تضحك، لم تصرخ، فقط نظرت. قال أبي:
"تعالي، سلمي على أخيكِ الصغير."
سكن كلّ شيء للحظة، كأنّ الأنفاس توقّفت، والعيون كلها اتجهت نحوها.
اقتربتْ. نظرت إليّ بفضول، كما لو كنت مخلوقًا من كوكبٍ آخر، بلونٍ يشبه لون “بينك بانثر”. تقاطعت نظراتنا، وارتسم على وجهها ما بدا كابتسامة، نصفها خبث، ونصفها دهشة. رفعت يدها. ظننتها ستصافحني... رفعت يدي أيضًا، متحمسًا بلغةٍ لا أُتقنها بعد.
لكن يدها لم تكن سلامًا...كانت صفعة.
صفعة قوية، على خدي، جعلتني أفتح فمي للمرة الثانية، لا للبكاء، بل للدهشة.
هكذا استقبلتني الدنيا. لا قُبلة، بل صفعة. كأنها كانت تهمس لي: "استعد، فهذا هو العالم."
ومنذ تلك اللحظة، بدأت أتعلم. أن الصفعات لا تنتهي، وأننا يومًا ما، حين نكبر، سنصفع نحن أيضًا. لا حقدًا، بل كمن يقول:"ها أنا أيضًا، فهمت اللعبة."